مصطفي مطاوع يكتب: الذكاء الاصطناعي والمجتمع المدني.. شراكة استراتيجية أم مجرد وهم تقني؟

5 دقيقة للقراءة
المهندس مصطفي مطاوع

في زمن تتسارع فيه خطوات التقدم التكنولوجي، تجد منظمات المجتمع المدني نفسها أمام معادلة صعبة تحمل في طياتها وعدًا بالتطور وتهديدًا بالانتهاك. الذكاء الاصطناعي، هذه التقنية التي باتت تتغلغل في كل جوانب الحياة، تطرح سؤالاً جوهريًا: هل يمثل فرصة ذهبية لتعزيز عمل المجتمع المدني، أم أنه سيف ذو حدين قد يقوض أسس الخصوصية والحقوق التي تدافع عنها هذه المنظمات؟

الوجه المضيء: خدمات واعدة للمجتمع المدني

تشهد منظمات المجتمع المدني تحولات جذرية في طرق عملها بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، تستطيع منظمة العفو الدولية الآن استخدام تحليل الصور الجوية بالذكاء الاصطناعي لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق الصراعات، كما حدث في توثيق الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المدنية في سوريا وتتبع الهجمات غير المشروعة في مناطق النزاع.

تمكن هذه التقنيات المنظمات من تحليل كميات ضخمة من البيانات لكشف أنماط الانتهاكات، كما حدث في ميانمار حيث تم استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع خطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد الأقليات. كما يساعد الذكاء الاصطناعي المنظمات في تحسين آليات جمع التبرعات والتواصل مع المتطوعين، وتطوير برامج تعليمية أكثر فعالية تستهدف الفئات المهمشة.

الوجه المظلم: مخاطر تهدد الخصوصية والحقوق

لكن الصورة ليست وردية تمامًا، فالذكاء الاصطناعي يحمل في طياته مخاطر جدية تهدد أسس عمل المجتمع المدني. أظهرت دراسات حديثة أن خوارزميات التعرف على الوجه تخطئ في تحديد هوية الأفراد من الأصول الأفريقية والآسيوية بمعدل يتراوح بين 10 إلى 100 مرة أكثر من الأفراد البيض، ما يعرض الفئات المهمشة لمخاطر التمييز والمضايقة.

تواجه منظمات المجتمع المدني تحديات أخلاقية معقدة، خاصة عندما تتعامل مع بيانات حساسة للفئات الضعيفة. فأنظمة الذكاء الاصطناعي قد تعزز من التحيزات الموجودة في المجتمع، وتؤدي إلى انتهاكات للحق في الخصوصية من خلال التتبع والمراقبة المستمرة دون موافقة الأفراد. كما أن عتامة هذه الأنظمة وصعوبة فهم آليات عملها تخلق حالة من عدم التوازن في القوة بين المنظمات والمستفيدين من خدماتها.

التجربة المصرية: بين الطموح والحذر

في السياق المصري، نجد أن هناك جهودًا متنامية لوضع إطار تنظيمي للذكاء الاصطناعي يحقق التوازن بين الاستفادة من التقنية وحماية الحقوق. أصدرت مصر الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول، وقانون حماية البيانات الشخصية عام 2020، لكن لا توجد حتى الآن قوانين متخصصة بدقة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجتمع المدني.

تبرز الحاجة الملحة لوضع آليات رقابية فعالة تضمن استخدام المنظمات للذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة، خاصة مع تزايد اعتماد هذه المنظمات على تحليل البيانات والتفاعل الرقمي مع المواطنين. فالمعادلة تتطلب توازنًا دقيقًا بين تسهيل عمل المنظمات وضمان عدم انتهاك خصوصية المستفيدين.

نحو حوكمة مسؤولة: الخط الرفيع بين الخدمة والاختراق

يتفق خبراء المجتمع المدني على ضرورة وضع “خطوط حمراء” قانونية ملزمة للأنظمة عالية المخاطر، وإجراء عمليات تدقيق مستقلة من أطراف ثالثة، وتطبيق أطر إدارة الأزمات، وسن حماية قوية للمبلغين عن المخالفات، وضمان مشاركة فعالة للمجتمع المدني في الحوكمة. كما تؤكد التجارب الدولية، مثل المبادئ التوجيهية السويدية التي طورتها 12 منظمة مجتمع مدني، على أهمية وضع مبادئ واضحة للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي تتضمن الشفافية وحماية البيانات والإنصاف.

إن المجتمع المدني لا يمكنه أن يظل مراقبًا سلبيًا في حوكمة الذكاء الاصطناعي، فالمخاطر كبيرة جداً. النجاح في تحقيق التوازن بين الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي وحماية الحقوق الأساسية يتطلب تضافر جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لوضع أطر تنظيمية شاملة تضمن التطوير الأخلاقي والمسؤول لهذه التقنيات.

خاتمة: معادلة المستقبل

في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة، بل هو انعكاس للقيم والمبادئ التي نختار أن نبني عليها مجتمعاتنا. الخيار أمام منظمات المجتمع المدني واضح: إما أن تشارك بفعالية في تشكيل مستقبل هذه التقنية لتخدم رسالتها في حماية الحقوق والدفاع عن المهمشين، أو أن تجد نفسها ضحية لأنظمة قد تقوض الأسس التي تقوم عليها.

المطلوب اليوم ليس الرفض المطلق ولا القبول الأعمى، بل بناء جسور من التفاهم والحوكمة المسؤولة التي تضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان وكرامته، وليس على حسابهما.

شارك هذه المقالة