في 21 سبتمبر من كل عام، يُحيي العالم اليوم العالمي للسلام، وهو يوم مكرس لوقف إطلاق النار على مستوى العالم ونبذ العنف. وفي ظل استمرار الصراعات وتهديد عدم الاستقرار العالمي للأمن الدولي، تتزايد أهمية هذا اليوم في مواجهة تحديات معقدة تتراوح من النزاعات الإقليمية إلى عدم الاستقرار الناجم عن التغيرات المناخية، باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ إجراءات عملية وملموسة لتحقيق السلام.
على مدار 65 عاماً، لعبت مصر دوراً محورياً في عمليات حفظ السلام الأممية، حيث أظهرت دعماً مستمراً في تعزيز السلام على الصعيد العالمي. وباعتبارها إحدى أكبر الدول المساهمة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، شارك أكثر من 30 ألف فرد مصري في بعثات حفظ السلام منذ عام 1960، ويخدم حالياً 1461 جندي مصري لحفظ السلام في مناطق نزاع مختلفة حول العالم.
إن مساهمات مصر في مجال السلام تتجاوز بكثير مجرد المشاركة بالقوات العسكرية. ففي منطقة الشرق الأوسط، طرحت مصر مبادرتها الطموحة لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وفي الوقت نفسه إرساء دعائم سلام مستدام من خلال التنمية المؤسسية والانتعاش الاقتصادي وإصلاح القطاع الأمني. كما تبرز اتفاقيات وقف إطلاق النار التي توسطت مصر في التوصل إليها، إلى جانب مشاركتها الدبلوماسية المستمرة، قدرة مصر على تقريب وجهات النظر في واحد من أعقد الصراعات وأكثرها تجذراً في العالم.
يمثل النموذج المصري الذي يجمع بين حفظ السلام العسكري والوساطة الدبلوماسية والإعمار الاقتصادي وبناء القدرات المؤسسية نهجاً متكاملاً وشاملاً يعالج الأعراض المباشرة للنزاعات والأسباب الجذرية الهيكلية لها على حد سواء. ويؤكد هذا الالتزام المصري أن تحقيق السلام الحقيقي والدائم يستلزم استثماراً مستمراً وصبراً استراتيجياً طويل المدى، فضلاً عن الاستعداد لتحمل أعباء ومسؤوليات القيادة في سبيل خدمة الاستقرار العالمي.
إن الطريق إلى المستقبل يتطلب من المجتمع الدولي أن يرتقي إلى مستوى الالتزام المصري، وذلك من خلال تعزيز الدعم المقدم لآليات السلام متعددة الأطراف، وزيادة الموارد المخصصة لمنع اندلاع النزاعات، وتجديد الإرادة السياسية اللازمة لمعالجة الصراعات القائمة التي تقوض الأمن والاستقرار العالميين. وفي هذا اليوم العالمي للسلام، نؤكد أن السلام ليس مجرد حلم أو أمنية، بل هو فعل مستمر يتطلب العمل المشترك من أجل بناء عالم أكثر أمناً وسلاماً للأجيال الحالية والقادمة.


